وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تكاليف الاحتلال الإسرائيلي

احتلال إسرائيل لفلسطين لا يمثل أيَة فائدة من الناحية الاقتصادية، فقد ثبت أن فلسطين هوة لا قرار لها بالنسبة لإسرائيل من الناحية المالية.

المحتويات

المقدمة
تكاليف الاحتلال
إخفاء التكاليف
فاتورة بمبلغ 100 مليار دولار
المساعدات المالية للمستوطنين
تكاليف الأمن
التكاليف الإسرائيلية
التكاليف الفلسطينية
المساعدات الأمريكية
الفتات للفلسطينيين
المساعدات الأوروبية
دفع ثمن بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة
استنتاجات

المقدمة

الاحتلال الإسرائيلية لفلسطين لا يمثل أيَة فائدة من الناحية الاقتصادية، فقد ثبت أن فلسطين هوة لا قرار لها بالنسبة لإسرائيل من الناحية المالية. وبالرغم من إهمالها وتجاهلها هذه الناحية، فإن ارتفاع التكلفة الاقتصادية للاحتلال هو الذي ربما سيجرَ إسرائيل للهاوية إن لم تغيَر مسار سياستها. فالاحتلال لا يشكل فقط عبئاً ثقيلاً على إسرائيل، وإنما أيضاً يستنزف تمويلات وحسن نيَة مؤيديها التقليديين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي الواقع فإن هذا الدعم الخارجي هو الذي يسمح لإسرائيل بمواصلة وتوسيع رقعة احتلالها لفلسطين. وفقط في الآونة الأخيرة بدأ بعض الخبراء الاقتصاديين الإسرائيليين يشددون على هذه النقطة.

تكاليف الاحتلال

احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 (فيما بعد فلسطين) لا يمثل أيَة فائدة لإسرائيل من الناحية الاقتصادية. يتضح أن فلسطين هوة لا قرار لها من الناحية المالية بالنسبة لإسرائيل. ورغم أنها مسألة يتم تجاهلها على الأغلب، إلا أن ارتفاع التكلفة الاقتصادية للاحتلال هو الذي سيضعف إسرائيل إن لم تغيَر مسارها. يعتبر هذا البرهان، وهو أحد النتائج التي توصل إليها المؤتمر الذي نظمه مركز المعلومات البديلة الإسرائيلي في تشرين أول/أكتوبر 2009 في بيت لحم، ذا أهمية حاسمة لفهم الآثار المترتبة على الاستمرار بالسياسات القائمة.

لا يشكل الاحتلال عبئاً ثقيلاً على إسرائيل فحسب، وإنما أيضاً يستنزف الأموال والنوايا الحسنة لمؤيديها التقليديين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي الواقع فإن هذا الدعم الخارجي هو الذي يسمح لإسرائيل بمواصلة وتوسيع احتلال فلسطين. وبدون الدعم المالي الدولي لكانت كل من إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية قد أفلستا منذ مدَة طويلة. ولكن حتى مع الدعم المتواصل، فالاحتلال مشروع مكلف إلى حد أنه يهدَد باستنزاف الاقتصاد الإسرائيلي والخدمات الاجتماعية.

بغض النظر عن الأسباب القانونية والأخلاقية، هناك اعتبارات مالية ملحة لإسرائيل تدفعها إلى التخلي عن سياسة الاحتلال لأسباب. لقد حرم احتلال فلسطين الاقتصاد الإسرائيلي من فرص استثمار كثيرة، كما أدى إلى انخفاض الرفاهة الاجتماعية لمواطنيها. إن واقع كون الاحتلال عبئاً لا يحتمل من الناحية الاقتصادية على المدى البعيد بالكاد يحظى بالاهتمام. وفي الآونة الأخيرة فقط بدء عدد قليل من علماء الاقتصاد الإسرائيليين بالتشديد على هذه النقطة بالذَات. واليوم، “شير هيفير” من مركز المعلومات البديلة في القدس و “شلومو سويرسكي” من مركز أدفا (ADVA) هما الأكثر صراحة بالإشارة إلى الأعباء المالية الناتجة عن الاحتلال. وقد تبنّت الجماعات الناشطة، مثل ‘السلام الآن’، رأيهما.

إخفاء التكاليف

المشكلة الرئيسية عند احتساب تكلفة الاحتلال هي استحالة التفريق بين تكلفة المستوطنات وتكلفة الاحتلال نفسه. النقاط العسكرية الأمامية والقواعد العسكرية التي أنشئت للدفاع عن المستوطنات وإخضاع السكان الفلسطينيين المحليين تكلف ثمناً باهظاً. إن عجلة الإنفاق دائرة مفرغة. فحيث يمارس الجيش الإسرائيلي سيطرة أكثر، يتم مصادرة الأراضي لبناء المزيد من المستوطنات. وهكذا، فإن نفقات المستوطنات تؤدي إلى نفقات عسكرية لتوفير الأمن للمستوطنين، والنفقات العسكرية – لزيادة الحماية – تؤدي بدورها إلى المزيد من المستوطنات والنفقات التي ترافقها.

التكلفة الإجمالية للمستوطنات لا يتم الإفصاح عنها. تقوم الحكومة الإسرائيلية بصورة منتظمة بإخفاء البيانات المعنية بذريعة الأمن القومي. ومن المفارقات أنه حتى الوزراء لا يمكنهم الوصول إلى الأرقام الفعليَة لتكلفة الاحتلال. وتخصص إسرائيل سنوياً وبالسر ملايين الدولارات للمستعمرات عن طريق وزارة الشؤون الداخلية، ولكن لإخفاء حجم الحوافز التي توفرها الحكومة للمستوطنين، يتم توزيع المساعدات المالية إلى ميزانيات خاصَة لا تعدَ ولا تحصى، ومنح لمرَة واحدة، وصناديق خاصَة، وذلك لخلق متاهات ماليَة دون شفافية.

تم استخدام هذه الطريقة السريَة في تحويل الأموال لسببين. الأول هو تجنب الغضب الشعبي جراء المعاملة التفضيلية التي يتمتع بها المستوطنون. والثاني هو أن الإعانات الخاصة التي تمنح للمستوطنات تشجع الناس على الانتقال إلى المستوطنات، وفي ذلك انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان المدنيين إلى أراضٍ محتلة.

فاتورة بمبلغ 100 مليار دولار

على الرغم من الصعوبات، قدّر الخبير الاقتصادي “شير هيفير” بأن التكلفة الإجمالية الصافية للاحتلال بالنسبة لإسرائيل قد بلغت إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي خلال الفترة ما بين 1970 و 2008. أي ما يعادل 6,8 مليار دولار أو 8,7% سنوياً من ميزانية إسرائيل لعام 2008. من المهم الإشارة إلى أن خبراء اقتصاديين آخرين قد جاؤوا بتقديرات أعلى من هذه، تتراوح بين 1 و 2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي منذ 1973، نظراً لتحويل الموارد من الاقتصاد إلى الاحتلال.

تكاليف الأمن (81 مليار دولار) هي تقريباً ثلاثة أضعاف المبلغ الذي أنفق على المساعدات المالية للمستوطنات (27 مليار دولار)، وفق حسابات هيفير. هذا يعني أن السبب الرئيسي لارتفاع تكلفة الاحتلال يكمن في المقاومة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، ليس هناك ما يدعو للاعتقاد أن الفلسطينيين سيوقفون مقاومتهم. وهكذا فإن الاحتلال سيبقى عبئاً متزايداً.

مع أن قائمة مختلف التكاليف غير شاملة، يقول “شير هيفير” بأنهم يقدمون تقديراً تقريبياً للأعباء الإجمالية التي يشكلها الاحتلال على الاقتصاد الإسرائيلي. تشمل الأرقام الإجمالية استقراءً لكامل الفترة بين 1970 و 2008، والتعديلات على التغيرات في الأسعار والفوائد. كما يؤخذ نمو عدد سكان المستوطنات بعين الاعتبار. هذه التكاليف هي التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية فقط، ويستثنى منها النفقات الفردية على احتياجات الأمن وخسائر القطاع الخاصَ جراء الاستثمارات في فلسطين والتبرعات للمستوطنات.

علاوة على ذلك، فقد تم احتساب التكاليف بطرح الدخل من النفقات الناجمة عن الاحتلال. ويشمل الدخل الناتج لإسرائيل من الاحتلال الدفوعات التي تمَ جمعها من الفلسطينيين العاملين في إسرائيل (مثل الضمان الاجتماعي)، ورسوم إتحاد نقابات العمال في إسرائيل “الهستدروت” (مع أنها لا تحصل على حماية أو دعم)، وإضافات الأجور المختلفة مثل ضريبة الضمان التي تدفع لتغطية نفقات مراقبة العمال الفلسطينيين في مكان العمل. كما ينتج الدخل من استغلال اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة، والسوق الإجبارية في فلسطين، واستخدام الموارد المائية والطبيعية. عن طريق إضافة هذه العناصر، وصل “شير هيفير” إلى إجمالي الدخل الناتج لإسرائيل والذي يقدّر بـ 10 مليار دولار للفترة بين 1970 و 2008. ويجب الإشارة هنا إلى أن هذا المبلغ لا يشمل فوائد الاقتصاد الإسرائيلي من المساعدات الدولية.

من الضروري إضافة الفوائد إلى كل من الإيرادات والنفقات. ولو لم يكن هناك احتلال لكان بإمكان الحكومة الإسرائيلية استثمار هذه الأموال بطرق أخرى، ولكانت طورت الاقتصاد بدل ذلك. ولكان بالإمكان تحسين بنيتها التحتيَة أو التعليم أو الرعاية الصحيَة، أو استخدام هذه الأموال لتخفيف أعباء الديون. وللحصول على صورة كاملة، يجب تطبيق الفائدة على إجمالي التكلفة على الفترة بين 1970 و 2008، وذلك باستخدام معدلات الفائدة لبنك إسرائيل عن الديون والودائع، والتي تم تعديلها للتضخَم المالي.

تنفق الحكومة معدل 10,500 دولار على المواطن الإسرائيلي العادي، ولكنها تنفق أكثر من ضعف هذا المبلغ ـ 24,000 دولار ـ على المستوطن العادي. وإذا استمر هذا الاتجاه، فبحلول عام 2038 سيتم إنفاق أكثر من نصف الميزانية الإسرائيلية او أكثر للإبقاء على الاحتلال والمستوطنين في افلسطين. ولا يمكن لأي بلد متقدم تحمل مثل هذا العبء.

المساعدات المالية للمستوطنين

خلقت المستوطنات عقبة كبيرة أمام تحقيق حلَ سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفق القانون الدولي، المستوطنات في فلسطين غير شرعية، وبالتالي الاستثمارات فيها غير شرعيَة أيضاً. مما لا شك فيه، فمن أجل استيطان الأراضي، تواصل إسرائيل سياسة تقديم المساعدات المالية على نطاق واسع لتشجيع المواطنين الإسرائيليين على العيش في المستوطنات في فلسطين.

ما يقرب من 70% من المستوطنات مصنفة كمناطق “أولوية من الدرجة A”، حيث تمنح الحكومة قرضاً من المساعدات المالية بقيمة 15,4 ألف دولار للأشخاص الذين ينتقلون للعيش فيها. نصف هذا المبلغ يتحول إلى منحة بعد مرور 15 سنة. أكثر من 20% من المستوطنات مصنفة “أولوية من الدرجة B” تمنح المستوطنين حق الحصول على قرض من المساعدات المالية أقل بقليل. أما اللافت للنظر فهو عدم توفر قائمة صريحة في وزارة الإسكان للمناطق المفضلة.

لتوضيح كيفية حصول المستوطنين على الحوافز المالية للانتقال إلى فلسطين، نحتاج فقط للنظر في المساعدات الممنوحة لمشاريع الاستثمار الزراعي في المستوطنات عن طريق المنظمة الصهيونية العالمية (WZO)، والتي يتمَ تمويلها بشكل كبير من قبل الحكومة الإسرائيلية. وحسب تقديرات “شلومو سويرسكي”، أنفقت المنظمة الصهيونية العالمية في الفترة بين سنة 2000 و 2008  فقط مبلغ 110 مليون دولار على المشاريع الزراعية في المستوطنات.

بالإضافة إلى ذلك فقد قامت الحكومة بتمويل إنشاء مناطق صناعية داخل فلسطين لصالح المستوطنين. ووفقاً لتقديرات الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في وزارة المالية الإسرائيلية “درور تسابان”، بلغت المساعدات الحكومية لهذا الغرض 66,2 مليون دولار بين 1997 و 2001.

كما تقدم الحكومة المساعدات المالية للسكن في المستوطنات. وتم توزيع مبلغ 1,12 مليار دولار كمنح وقروض للمستوطنين لشراء العقارات بين سنة 1990 و 1999، على حد تعبير سويرسكي.

أما المستوطنون الذين لهم عناوين دائمة في المستوطنات، فإنهم يحصلون على حسم على ضريبة الدخل. وأوردت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن المستوطنين حصلوا على إجمالي حسومات وصل إلى 1,13 مليار دولار بين 1963 و 2003. وتضاعف تقديرات أخرى هذا المبلغ.

مثال آخر عن كيفيَة تقديم الحكومة الحوافز لليهود للانتقال إلى فلسطين، هو حصول المدارس الموجودة فيها على أموال حكومية أكثر مما تحصل عليه المدارس العادية داخل إسرائيل: حوافز للمعلمين ونقل الأطفال وعدد تلاميذ أقل في الصفوف، كل هذا يساهم في النفقات المفرطة على التعليم في المستوطنات. وحسب “ريلي سار”، باحث صحفي في منظمة حقوق العمال ‘Kav LaOved‘ في إسرائيل، بلغت الأموال الإضافية 27 مليون دولار في سنة 2003 فقط.

عدم تكافؤ

إضافة إلى ذلك، يستفيد المستوطنون من الإنفاق غير المتكافئ على الرعاية الصحيَة. فلكل 50 ـ 100 مستوطن في المستوطنات المنعزلة عيادة طبيَة، وهذا يتجاوز بكثير معدَل نصيب الفرد من العيادات الطبيَة داخل إسرائيل. ويحصل الطاقم الطبي على فوائد إضافية للعمل في المستوطنات، تترافق مع نفقات إضافية على التدابير الأمنية الخاصَة التي تعتبر ضرورية. حسب جريدة “هآرتس”، بلغت نفقات الرعاية الصحيَة الإضافية في المستوطنات 8,7 مليار دولار بين 1967 و 2002.

بصورة عامة، تلقّت بلديَات المستوطنات أموالاً أكثر بكثير من البلديَات داخل الخطَ  الأخضر. ويقدر “سويرسكي” المبلغ الإجمالي بـ 890 مليون دولار في الستينات على شكل أموال إضافية لبلديَات المستوطنات. حتى أن المستوطنين استخدموا بعض هذه المساعدات لتمويل المظاهرات والحملات ضدَ إخلاء بعض من هذه المستوطنات.

أما قيمة وتكلفة إنشاء الطرقات داخل المستوطنات في فلسطين والمؤدية إليها يتجاوز بكثير تلك التي في داخل إسرائيل. كما تم تسهيل الوصول إلى المستوطنات المنعزلة عبر شبكة خاصة من طرقات المستوطنين الجانبية التي يمكن استخدامها من قبل المستوطنين فقط. وبين 1993 و 2002 تم إنفاق ما لا يقل عن 450 مليون دولار لهذا الغرض. وتبقى التكاليف الإضافية مخفية، لأن ميزانية طرقات المستوطنين الجانبية تم تحويلها إلى وزارة الدفاع بقصد إخفاء حجمها.

يتطلب توفير المياه العذبة لمستوطنات الضفة الغربية، في حين يمنع الفلسطينيون من استعمالها، استثمارات حكومية ضخمة. وتجدر الإشارة إلى أن استهلاك الفرد الإسرائيلي للماء هو ثلاثة أضعاف ما يستهلكه الفرد الفلسطيني. ولتوضيح ذلك، وفق جريدة ‘هآرتس’، في العقد من 1993 حتى 2003 كانت كلفة البنية التحتية للمياه، فوق معدل تكاليف السكان الإسرائيليين داخل الخطَ الأخضر، 158 مليون دولار.

تكاليف الأمن

تكاليف الاحتلال الإسرائيلي

منذ عام 1967، ولضمان سيطرة إسرائيل على فلسطين وحماية المواطنين الإسرائيليين من المقاومة الفلسطينية العنيفة، اتبعت السلطات الإسرائيلية السيطرة الميدانيَة من خلال المراقبة والدوريَات والأسوار والحواجز ونقاط التفتيش والتصاريح. وأصبح نظام المراقبة الميدانيَة هذا العنصر الأكبر في النفقات الإسرائيلية في فلسطين. وقد بُذل الكثير من الجهد للحفاظ على السكان الإسرائيليين والفلسطينيين منفصلين – ليس فقط لمنع الفلسطينيين من دخول إسرائيل، وإنما أيضاً لمنع الإسرائيليين من دخول المجتمعات الفلسطينية والتفاعل مع الفلسطينيين.

لتوضيح تكاليف الأمن، قدّم الخبير الاقتصادي هيفير من مركز المعلومات البديلة تقديراً لبعض النقاط المحدَدة. منذ سنة 1989، بالإضافة إلى ميزانية الدفاع العاديَة، والتي يغطي جزء منها العمليات في فلسطين على أيَة حال، تم إضافة ميزانيات خاصَة للعمليات العسكرية في فلسطين. وقد تجاوزت هذه الإضافات الخاصة مبلغ 15,2 مليار دولار. علاوة على ذلك، تعمل “وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية في فلسطين (COGAT)” منذ 1994. وهذا ما يحافظ على ميزانية تنسيق العمليات العسكريَة في فلسطين. وكانت الميزانية 820 مليون دولار في السنوات 1994 ـ 2008.

غير أن أكبر النفقات الأمنية هي التي للشرطة والأمن الداخلي بهدف احتواء المقاومة الفلسطينية للاحتلال والحفاظ على السيطرة على فلسطين والأصوات المعارضة داخل إسرائيل. ومنذ سنة 1968 فإن قيمة متوسط الزيادة السنويَة في ميزانية الأمن الداخلي هي أكثر من مضاعفة.

لا تستثمر وزارة الدفاع فقط في وحدات عسكريَة كبيرة للسيطرة على فلسطين، وإنما أيضاً تدفع للمستوطنات للدفاع عن نفسها بطريقة عسكرية. وتشمل التكلفة رواتب وسيارات منسقي الأمن العاديين، وكذلك أجهزة حماية السيارات والأفراد (مثل الأسلحة والسترات الواقية ضد الرصاص)، والأسوار، وطرقات الطوارئ، وأنظمة الإنارة.

الانتفاضة الأولى

غيّرت الانتفاضة الأولى (1987-1993) التوازن الدفاعي والعسكري لإسرائيل. وانعكس الميل لتخفيض مخصصات الدفاع في الميزانية الوطنية، والذي بدء منذ منتصف الثمانينات. وخلال الانتفاضة الثانية (منذ عام 2000)، ارتفعت التكاليف العسكرية بشكل ملحوظ، وذلك نتيجة النفقات العسكريَة الكبيرة.

رغم أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية غير معلنة، إلا أن سويرسكي، من مركز أدفا (Adva)، بقي يتعقب الأموال الإضافية التي استلمتها وزارة الدفاع على مرَ السنين. خلال العقدين الماضيين، 1988 ـ 2008، تلقت وزارة الدفاع ميزانيات إضافية قدّرت بحوالي 10,4 مليار دولار للنشاط المتزايد في فلسطين. وخدمت هذه المبالغ لتغطيَة تكاليف الانتفاضتين، والتعامل مع الهجمات الانتحارية على وسائط النقل العام، وإقامة الجدار الفاصل (فيما بعد “الجدار”)، وفك الارتباط من قطاع غزة.

خلال العقد الماضي لم يعد يتم تغطية التكلفة العسكرية للاحتلال عن طريق ميزانية وزارة الدفاع وإنما وزارة الأمن العام (أي وزارة الشرطة). تضاعف حجم ميزانية هذه الوزارة فعلياً من 1,3 مليار دولار في 1994 إلى 2,5 في 2008.

الجدار

كما يقع بناء وصيانة الجدار تحت فئة المصاريف الأمنية. تتم حراسة الجدار من قبل جنود أو شركات أمنية خاصة مع أجهزة مراقبة وعتاد حربي بتحكم عن بعد تثبّت فوقها. وكلّف الجدار وحده – والذي أقرَت محكمة العدل الدوليَة في لاهاي عدم شرعيته – ما قيمته 3 مليارات دولار، وفق لجنة “برودات” التي كان عليها دراسة طلب الجيش الإسرائيلي بزيادة حجم ميزانية الدفاع بشكل كبير. هذا المبلغ لا يشمل التعويضات التي دفعتها إسرائيل للفلسطينيين جراء مصادرة أراضيهم.

إذا لم يكن هناك من حلَ سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن تكلفة ميزانية هذا الصراع ستبقى عبئاً ثقيلاً. سيبقى هناك زيادة مطردة في هذه التكاليف لأن العناصر الإرهابية قد عقدت العزم على مواصلة شكل من أشكال سباق التسلح أو توازن الإرهاب.

المستوطنون

مثال آخر على تكاليف الأمن يتمثل في نفقات الانسحاب من قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2005. وتحت ‘خطَة الانفصال’، تم إجلاء المستوطنين الإسرائيليين من قطاع غزة، مع أن إسرائيل تواصل ممارسة سيطرة مطلقة على المنطقة. وحسب “شير هيفير”، كلف الانسحاب من قطاع غزة إسرائيل أكثر من 2,4 مليار دولار، ثلث هذا المبلغ على نقل المنشآت العسكريَة، والثلثان الآخران كتعويضات للمستوطنين.

هذا يوحي بتوقعات قاتمة عن احتمال إجلاء كل المستوطنين من الضفة الغربية. فقد حصل المستوطن العادي في الضفة الغربية على مبلغ يفوق 265,000 دولار كتعويض. نظراً لأن عدداً أقل من 8.000 مستوطن الذين تم إجلاؤهم من الضفة الغربية بلغ 3% فقط من إجمالي عدد سكان المستوطنات، فإن التكلفة الافتراضيَة لتعويض المستوطنين الباقين في الضفة الغربية قد تبدو باهظة للغاية.

في حال قرَرت إسرائيل إخلاء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية حيث كان يقطن 471,000 مستوطن في سنة 2008، فسيكون عليها التعامل مع متطلبات الحصول على التعويضات الماليَة. وإذا ما تم تطبيق صيغة غزة عليهم، فقد تصل هذه التعويضات إلى 125 مليار دولار، وهذا ما يفوق الميزانية السنويَة للحكومة بمرَة ونصف. ولكن إذا لم يتمَ إجلاء المستوطنين واستمر تفاقم تكاليف الاحتلال، فسينتهي المطاف بإسرائيل بدفع أكثر من ذلك حتى.

بالنظر إلى الحسابات المذكورة أعلاه والمتعلقة بتكاليف الاحتلال، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تتخذ قراراً اقتصاديَا دقيقاً لاقتراض ما يكفي من المال لدفع تعويضات المستوطنين. وهذا هو البديل عن الدفع اللانهائي للمساعدات الماليَة وأمن المستوطنات.

إذا ما أدركنا أن على إسرائيل تعويض الفلسطينيين عن الأربعة عقود الماضية من الاحتلال، فمن الواضح أن تمثل كل التقديرات السابقة مجرد غيض من فيض.

التكاليف الإسرائيلية

من الواضح أن الاحتلال أفاد المستوطنين. ثانياً، ضباط الجيش والصناعة العسكرية هم من يستفيد من استمرارية الحاجة إلى مزيد من التدابير الأمنية والزيادة المستمرة في النفقات العسكريَة. أما الشركات الأمنية الخاصَة فقد بدأت تزدهر أيضاً في إسرائيل. ويمكن لأرباب العمل استغلال العمال الفلسطينيين، لأن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من إنتاج دخل في مكان آخر.

معظم تكاليف الاحتلال تدفع مباشرة من قبل الحكومة الإسرائيلية عن طريق ميزانية الدولة، والتي يتم تمويلها إلى حد كبير عن طريق الضرائب المفروضة على الشعب. كما تدفع بعض هذه التكاليف من قبل مؤسسات حكومية، مثل معهد الضمان الاجتماعي – الذي هو من أعمدة النظام الإسرائيلي للضمان الاجتماعي – والمنظمة الصهيونية العالمية ومؤسسة اليانصيب الإسرائيلية.

في الواقع، دفع المواطنون الإسرائيليون الثمن غالياً لأن الزيادات في ميزانية الدفاع والأمن الناجمة عن الاحتلال أدّت إلى تخفيض حصص المدنيين من الميزانية. وهذا ما قوّض الترتيبات الاجتماعية الأساسية في إسرائيل، ومن بينها شبكة الأمان الاجتماعي ونظام التقاعد والمدارس العامة وأنظمة التعليم العالي، ونظام الرعاية الصحيَة وبرامج المساعدة السكنية. وبالتالي، تميَزت السنوات بين 1998 و 2007 بتناقص المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل.

بما أن النشاط الاقتصادي تقلص، انخفضت عائدات الضرائب. عندما واجهت الحكومة انخفاضاً في الإيرادات، وفي نفس الوقت الحاجة إلى زيادة ميزانية الدفاع، اختارت تخفيض حصص المدنيين من الميزانية. في العقدين الماضيين، بقيت النسبة بين نفقات الدفاع والخدمات الاجتماعية مستقرَة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن زيادة النفقات على الأمن العسكري كان لها تأثير على تخفيض الأموال المتوفرة لزيادة الأمن الاقتصادي والاجتماعي للإسرائيليين.

الانتفاضة الثانية

خلال فترة الانتفاضة الثانية، رفعت الحكومة ميزانية الدفاع، والجزء الكبير منها على حساب دفوعات التحويلات. ويمكن القول بأن واحداً من تأثيرات الاحتلال كان تآكل قوى المساواة وتعميق الفوارق الاجتماعية في إسرائيل.

ما يوضح مثل هذه التأثيرات غير المباشرة هو التخفيضات الكبيرة في الميزانية في أعقاب الانتفاضة الثانية، والتي كانت وخيمة على ميزانيات التعليم. وضمن السنوات الست بين 2001 و 2006، انخفضت حصص ساعات التدريس بنسبة 15% لكل تلميذ. وفي العقد القادم، ستزداد ميزانية الدفاع سنوياً بنسبة تساوي ميزانية التعليم العالي السنوية. ونجد نفس الاتجاه في الرعاية الصحيَة. وتضاعف معدل عبء الأسرة المالي أكثر في العقد الماضي، بينما ازدادت ميزانية الدفاع.

النتيجة الأخرى غير المباشرة للاحتلال هي سياسيَة. على الأقل منذ سنة 1980 أثر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على درجة استقرار الحكومات الائتلافيَة. ويتجلى عدم الاستقرار السياسي من واقع أنه كان لإسرائيل خمسة رؤساء وزراء في التسعينات. القيادة السياسية منشغلة بشكل رئيسي بالصراع المستمر، وتواجه صعوبة في إيجاد الوقت الكافي لتطوير سياسات طويلة المدى في مناطق أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، نتيجة للاحتلال الطويل المدى فإن لإسرائيل علاقات غير مريحة مع أطراف مهمة في المجتمع الدولي. لا تزال إسرائيل غير مرتبطة بعلاقات مع الكثير من دول الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، ومكانتها في الرأي العام الدولي انخفضت بشكل كبير على مرَ السنين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن صورة إسرائيل بين الشعوب سلبيَة. وقد حاولت العديد من الدوائر في الغرب، خاصة المجموعات المثقفة، وبصورة متكررة فرض مقاطعة على المنتجات الإسرائيلية، وحتى على الجامعات الإسرائيلية والعلماء الإسرائيليين. هذه العزلة الدبلوماسية الطويلة تعزَز اعتماد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة، وأن تصبح تحت حمايتها، في الواقع.

التكاليف الفلسطينية

من الطبيعي أن يكون الشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن الأكبر لاحتلال أرضه. التباين المتزايد بين ثروة المواطن العادي الإسرائيلي والمواطن الفلسطيني هو الذي يحدّث عن نفسه. على مدى العقود الثلاثة الماضية، ازداد دخل الفرد الإسرائيلي سبع مرات عن نظيره في فلسطين، ليصبح أكبر بأربع عشرة مرة.

وسّعت النتيجة النهائية لأربعة عقود من الاحتلال من رقعة المستوطنات اليهودية والسيطرة عليها، يرافقها تناقص مجال السياسة الاقتصادية الفلسطينية، وصغّرت المساحة الطبيعية فلسطين والوصول إلى الموارد الطبيعية والاقتصادية.
بالإضافة إلى معاناتهم والخسائر الماديَة التي لحقت بهم، يجبر الفلسطينيون على دفع ضرائب لإسرائيل، بينما يتم استخدام هذه الأموال ضدَهم لبناء الحصون وطرقات المستوطنين الجانبية وحواجز الطرقات والجدار، وخلق بنية تحتية لاستقطار مواردهم الطبيعية لصالح الإسرائيليين. وعلاوة على ذلك، الأرباح التي جنتها الشركات الإسرائيلية، عن طريق استغلال السوق الفلسطينية المقيدة ومختلف أشكال الدخل الذي تتمتع به إسرائيل على حساب الفلسطينيين، ساعدت على تمويل الاحتلال.

جعل إغلاق إسرائيل لفلسطين من المستحيل على الفلسطينيين بناء اقتصاد قابل للنمو. وقد أعاقت الرقابة الصارمة على الحدود بين إسرائيل وفلسطين سكان هذه الأراضي من الوصول إلى الأسواق الدولية. الإغلاق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإغلاق حدود الضفة الغربية مع الأردن وحدود قطاع غزة مع مصر، والإغلاق الداخلي ضمن الضفة الغربية وقطاع غزة، كل هذا أدى إلى تقييد حرية التنقل وحركة التجارة داخل هذه المناطق وفيما بينها.

الجدار

للجدار تأثير كبير ومدَمر على اقتصاد الضفة الغربية. وأعيقت التنمية الزراعية في الضفة الغربية من جراء خسارة نحو 40% من فلسطين ما بعد عام 1967 لإقامة المستوطنات والبنية التحتية المتعلقة بها. ولكن خلال بناء الجدار، تم مصادرة بعض من أخصب الأراضي من أصحابها الفلسطينيين. وسيصبح الوصول إلى ما يقرب من 15% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية أمراً مستحيلاً عند اكتمال تشييد الجدار. وقد قلص الجدار الموارد الطبيعية، المحدودة بطبيعة الحال، للقطاع الزراعي.

لإغلاق المناطق ونقاط التفتيش والجدار تأثير على الاقتصاد الفلسطيني وذلك عبر قنوات متعدَدة، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج. وإنه لغني عن القول إن فقدان الفلسطينيين فرص العمل في إسرائيل بسبب الإغلاق يعيق النمو عن طريق تخفيض الطلب داخل فلسطين.

تدهور القدرة الانتاجية

تعرضت القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني إلى تدهور واسع نتيجة تدمير البنيَة التحتيَة والممتلكات الخاصة والعامة. كما تضررت الأراضي الزراعية والأشجار والمصانع والآلات والمباني وغيرها من مقومات الإنتاج. وضاعف الإغلاق من هذه الخسارة عن طريق إجبار المنتجين على الاستخدام المفرط لرأس المال المتبقي لتزويد السوق المحلية. وسيستمر رأس المال المادي ومصادر الإنتاج بالتدهور على المدى البعيد. وهذا بدوره يحدَ من قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على رفع الإيرادات الضريبية الكافية لتمويل التحويلات الاجتماعية والاستثمارات العامة.

الاستحالة القريبة لقطاع غزة من تصدير المنتجات الزراعية هو مثال آخر يمكن الإشارة إليه. نتيجة الإغلاق صدّر مزارعو القرنفل فقط خمس عدد الزهور (من 45 مليون زهرة) التي أنتجوها عام 2007. وقد استخدم ما تبقى منها كعلف للحيوانات. وبالتالي، خسر المزارعون نحو6,5 مليون دولار. في نفس الموسم، خسر مصدرو الفراولة (الفريز) 7 مليون دولار بسبب سياسة الإغلاق الإسرائيلية.

يقدّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو (UNCTAD) التكاليف الاقتصادية التراكمية خلال الست سنوات من سياسة الإغلاق المحكمة 2000-2005 بنحو 8,4 مليار دولار. ومن وجهة نظر منظورية، فإن هذه الخسارة تساوي ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين في عام 1999. والأكثر تضرراً هو خسائر رأس المال المادي. وقد خسر الاقتصاد الفلسطيني، دون عودة إلى حالته الأولى، ما لا يقل عن ثلث رأس المال المادي قبل عام 2000.

نتيجة للقيود المنهجية التي تفرضها سياسة الاحتلال، فقد ازدادت البطالة بنسبة تزيد على 10% بين عامي 1999 و 2008 لتصل إلى 32%. كما استمر الفقر في الاتساع والعمق، مع 57% من الأسر في فلسطين تعيش تحت خط الفقر في عام 2007، مقارنة بـ 20% عام 1998. وبلغ العجز التجاري (79%) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى حد لم يسبق له مثيل. وكان العجز التجاري في إسرائيل وحدها ما يعادل أكثر من 140% من مجموع الدعم الدولي للسلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2008، وتمثل أكثر من 70% من العجز التجاري الإجمالي، وفقاً لتقرير حديث لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو(UNCTAD).

قطاع غزة

تضرر قطاع غزة بصورة فاحشة من سياسة الاحتلال نتيجة الحصار الإسرائيلي المحكم منذ عام 2007. شهد قطاع غزة، حيث يعيش 40% من سكان فلسطين، دماراً واسع النطاق في البنية التحتيَة والقدرة الإنتاجية وسبل العيش. كما تعذّر 30% الوصول إلى الأراضي الصالحة للزراعة من قبل المزارعين الفلسطينيين. ويُسمح بالصيد البحري فقط ضمن مسافة ضيقة بعيداً عن الساحل، مما أدى إلى نضوب الموارد وانخفاض العائدات الماليَة. ومما زاد الطين بلة، تسببت الحملة العسكرية الإسرائيلية في ديسمبر/ كانون الأول 2008 بدمار شامل. وتقدر الخسائر المادية الناجمة عن عملية “الرصاص المصبوب” بنحو 4 مليارات دولار، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد في قطاع غزة.

أضعفت تسع سنوات من الإغلاق المكثف قطاع الصادرات الفلسطينية بشكل كبير، كما أن العديد من الشركات أقصيت من عالم الأعمال ومن غير المرجح أن تعود إليه عند عودة الأمور نسبياً إلى مجراها الطبيعي ثانية. كما أن الصادرات الفلسطينية هي الآن تحت مستوى عام 1999.

التأثير النهائي لسياسة الاحتلال والإغلاق هو التآكل المنهجي للقاعدة الإنتاجية الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة. لقد حُرم الشعب الفلسطيني من قدرته على الإنتاج وإطعام نفسه، وتحولوا إلى مستهلكين فقراء للسلع الأساسية المستوردة بشكل رئيسي من إسرائيل والمموَلة من الجهات المانحة. المساعدات الأجنبية هي الوحيدة التي أنقذت الاقتصاد الفلسطيني من الانهيار التام في السنوات القليلة الماضية.

المساعدات الأمريكية

تكاليف الاحتلال الإسرائيلي

يساهم دافعو الضرائب في الولايات المتحدة بشكل غير مباشر في دفع قسم أكبر من فاتورة احتلال فلسطين. إسرائيل هي أكبر مستفيد تراكمي من المساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تلقت مبلغ 113,9 مليار دولار خلال الفترة 1949-2008. خصَصت واشنطن نحو 1,8 مليار دولار أمريكي سنوياً لإسرائيل على شكل مساعدات عسكرية بعد عام 1973، ونحو 3 مليارات دولار على شكل منح سنويَة بعد عام 1985. هذه المبالغ تساوي 500 دولار أمريكي لكل مواطن إسرائيلي. وبالتأكيد تتجاوز هذه الأموال، عند حسابها مع الفائدة، التكاليف الأمنية للاحتلال. يقول “وليام بولز” من المركز الأمريكي لتبادل المعلومات (US Information Clearing House) إنه رغم أن الاقتصاد الإسرائيلي ينبغي أن يكون على حافة الانهيار، فهو مازال قائماً بشكل مصطنع، فقط لأن المساعدات الأمريكية تموَل احتلال فلسطين مباشرة.

من اللافت للنظر أن يتمَ تسليم جميع المساعدات الخارجية للولايات المتحدة لإسرائيل في الشهر الأول من السنة المالية، في حين تتلقى جهات أخرى مساعداتها على أقساط. إن استلام إسرائيل لكل مساعداتها الاقتصادية والعسكرية سلفاً ونقداً، مع عدم تقديم كشف حساب عن كيفية استخدام هذه الأموال، يسمح لإسرائيل بالحصول على مبالغ كبيرة من الفوائد على الأموال التي لم تنفق بعد.

يشمل المبلغ الإجمالي للمساعدات، على سبيل المثال، منح المدارس والمستشفيات الأميركية في الخارج (ASHA)، وبرامج التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات الزراعة والعلوم والصناعات التكنولوجية المتقدمة، والتي بلغت 27 مليون دولار خلال الفترة 2000-2005.

كما تقدم الولايات المتحدة المساعدة في إعادة توطين المهاجرين على أساس إنساني إلى إسرائيل. وهي مخصصة لتعزيز اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، وتشمل النقل إلى إسرائيل، وتعليم اللغة العبريَة، والسكن المؤقت، والتعليم والتدريب المهني. وقد تفاوتت المبالغ السنويَة من المنخفضة (12 مليون دولار) إلى العالية (80 مليون دولار)، بناء على عدد اليهود المغادرين من الاتحاد السوفييتي سابقاً وإثيوبيا إلى إسرائيل. بالنسبة لعام 2008، تم تخصيص مبلغ 40 مليون دولار.

منذ عام 1972، مدّدت الولايات المتحدة أيضاً ضمانات القروض لإسرائيل. هذه القروض لم تكلف بعد الولايات المتحدة أية أموال، لأن إسرائيل لم تتخلف عن الإيفاء بديونها على الإطلاق. وهي مدرجة في سجلات وزارة المالية كالتزامات عرضية، وما هو التزامات لأمريكا هو عدم قدرة إسرائيل على سداد ديونها. ضمانات هذه القروض تمثل فائدة كبيرة لإسرائيل لأنها تمكنها من الاقتراض تجارياً بنسب فائدة أخفض.

التقديرات

تم إجراء تقدير متحفظ حول إجمالي المساعدات الأميركية المباشرة لإسرائيل من قبل “شيرل ماك أرثر”، موظف سابق في الخارجية الأمريكية ومستشار في واشنطن. يجب إضافة مبلغ 10,2 مليار دولار إلى المبلغ المذكور في الجدول أعلاه، والذي يتضمن بنوداً غير محددة لوزارة الدفاع، وأرباح الفوائد لإسرائيل والتي لا تحصل عليها الولايات المتحدة، والمنح الأخرى التي وصلت إلى 113,9 مليار دولار خلال الفترة 1949 إلى 2008.

اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة على إلغاء مساعدات المنح الاقتصادية تدريجياً. ولذلك، اعتباراً من عام 2008 لم تعد إسرائيل تستفيد على نطاق واسع من أموال منح المساعدات الاقتصادية. ولتعويض النقص في المساعدات الاقتصادية، زادت إدارة الرئيس جورج بوش من حجم مساعداتها العسكرية لإسرائيل لتصل إلى مبلغ 6 مليار دولار في العقد المقبل. وفي عام 2009، تلقت إسرائيل ما قيمته 2,6 مليار دولار أمريكي في ما يسمى بالتمويل العسكري الأجنبي. وهذا المبلغ سيزداد سنوياً ليصل إلى 3,2 مليار دولار بحلول عام 2018. تستخدم إسرائيل ما يقارب 75% من هذه الأموال لشراء معدَات الدفاع الأمريكية. ويمكن إنفاق ما تبقى على الشراء من شركات الدفاع الإسرائيلية. وتحوَلت القوات المسلحة الإسرائيلية نتيجة لمساعدات الولايات المتحدة إلى واحدة من أكثر الجيوش تطوَراً تكنولوجياً في العالم.

المفارقة هي أن عشرات المليارات من دولارات الضرائب الأميركية وعمليات نقل التكنولوجيا العسكرية الأميركية ساعدت على خلق وتنشئة صناعة الأسلحة الإسرائيلية، بل في الواقع تقديم المساعدة المالية لمنافس أجنبي. وتتنافس الشركات الإسرائيلية على الصعيد العالمي مع منتجي الأسلحة من الدرجة الأولى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وتجني حوالي 2 مليار دولار من 27 مليار دولار من السوق العالمية سنوياً.

من الناحية النظرية، يزيد الاعتماد الإسرائيلي على المساعدات الأمريكية من النفوذ الدبلوماسي الأميركي على إسرائيل للتأثير على سلوكها وسياساتها تجاه الفلسطينيين وغيرهم. ومع ذلك، كان هناك بعض الحالات قامت فيها الولايات المتحدة بتقييد المساعدات أو توبيخ إسرائيل على الاستخدام غير السليم للمعدَات العسكرية التي قدمتها لها. فعندما اتُهمت إسرائيل باستخدام القنابل العنقودية الأمريكية الصنع للتصدي لهجمات حزب الله الصاروخية خلال حرب يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006 في لبنان، أجرت الولايات المتحدة تحقيقاً حول ذلك، وطالبت إسرائيل بتقديم تعليل له. فأجابت إسرائيل بأن استخدام هذه الأسلحة كان قانونياً، وأعلنت بعد ذلك بقليل أنها ستشرع في شراء قنابل عنقودية إسرائيلية الصنع بدلاً من ذلك.

في الواقع، تعتبر المساعدات السنويَة (3 مليار دولار) التي تقدمها حكومة الولايات المتحدة مجرد غيض من فيض. وهناك عدَة مليارات من الدولارات الأخرى على شكل تكاليف خفيَة وخسائر اقتصادية تصلها من وراء الكواليس. ومنذ الحرب العالمية الثانية، كانت الصراعات في الشرق الأوسط مكلفة جداً للولايات المتحدة، كما لبقية العالم. كانت نتيجة البحث الذي أجراه “توماس ر. ستوفر” عام 2002، المحلَل في مجال الطاقة والخبير الاقتصادي في واشنطن، أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل قد كلف دافعي الضرائب الأميركيين حوالي 3 بليون دولار (3,000 مليار دولار أمريكي). ترتبط أكبر تكلفة بالنسبة للأمريكيين بأزمات إمدادات النفط وارتفاع أسعاره، والتي رافقت الحروب العربية الإسرائيلية وبناء “احتياطي النفط الاستراتيجي” لحماية إسرائيل والولايات المتحدة من استخدام ‘سلاح النفط’ العربي في المستقبل. وإذا ما تأثرت إمدادات النفط في إسرائيل، فستكون إسرائيل في الواقع أول من يحصل على أي نفط يتوفر للولايات المتحدة.

الفتات للفلسطينيين

يقول منتقدو سياسة المساعدات الأمريكية أنها تؤدي إلى تفاقم حدَة التوتر في المنطقة. يصر الكثير من المعلقين العرب على أن المساعدات الأميركية لإسرائيل تؤدي بشكل غير مباشر إلى معاناة الفلسطينيين من خلال دعم مشتريات الأسلحة الإسرائيلية. وبالمقارنة مع إسرائيل، فإن الدعم المالي للفلسطينيين هو بمثابة قطرة في المحيط. ومنذ وفاة ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الأول 2004، بلغ معدَل مساعدات الولايات المتحدة للفلسطينيين ما يقارب 360 مليون دولار في السنة.  تذهب معظم المساعدات الأميركية للفلسطينيين عن طريق صندوق الدعم الاقتصادي إلى المنظمات غير الحكومية التي مقرها في الولايات المتحدة، والعاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقدم الأموال للمساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية والإصلاح الديمقراطي وتحسين الوصول إلى المياه وغيرها من البنى التحتيَة والرعاية الصحيَة والتعليم والتدريب المهني.

على مدى السنوات الثلاث الماضية شهدت المساعدات الأمريكية للفلسطينيين تقلبات حادَة، ويرجع ذلك إلى حدَ كبير إلى تغيّر دور حركة حماس داخل السلطة الوطنية الفلسطينية. صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية حركة حماس كمنظمة إرهابية أجنبيَة. بعد فوز حماس عام 2006 في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، أعادت الولايات المتحدة هيكلة المساعدات للفلسطينيين وخفضتها. وأوقفت واشنطن المساعدات الأجنبية المباشرة للسلطة الوطنية الفلسطينية، لكنها واصلت تقديم المساعدات الإنسانية ودعم المشاريع من خلال المنظمات الدولية وغير الحكومية. وبعد استيلاء حركة حماس بالقوة على قطاع غزة في حزيران/يونيو2007، رفعت الولايات المتحدة مستويات المساعدات لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية والرئيس محمود عباس.

مع ذلك، وفي حال عدم قدرة السلطة الفلسطينية في رام الله على تحقيق الشرعية الشعبية والسيطرة في الضفة الغربية، فربما تمتنع الولايات المتحدة عن تقديم الموارد والتدريب لها. ويأتي هذا خشية أن تستخدم المساعدات ضدَ إسرائيل أو المدنيين الفلسطينيين، إما عن طريق وقوعها في يد حماس أو العكس. ومن المفارقات، يمثل عدم الاستقرار في فلسطين سبباً رئيسياً لزيادة المساعدات الأميركية على مدى السنوات القليلة الماضية، ولكن في الوقت ذاته يمثل سبباً محتملاً لتخفيض مستويات المساعدات.

في مارس/آذار 2009، وفي مؤتمر المانحين الدوليين الذي عقد في شرم الشيخ، مصر، خصصت إدارة أوباما 960 مليون دولار من المساعدات الثنائية للفلسطينيين لمواجهة الاحتياجات الإنسانية لمرحلة ما بعد الصراع في قطاع غزة (330 مليون دولار)، ولأولويات الإصلاح والتنمية في الضفة الغربية (630 مليون دولار).

في يونيو/حزيران 2009، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المبلغ إلى 800 مليون دولار أخرى. تشمل هذه المبالغ المساعدات المالية المباشرة للسلطة الوطنية الفلسطينية على شكل تدريبات ومعدَات غير عسكريَة والمرافق الاستراتيجية لقوات الأمن المدنيَة. الولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا“، والتي توفر الغذاء والمأوى والرعاية الطبيَة والتعليم للكثير من لاجئي الحرب العربية ـ الإسرائيلية 1948-1949 وعائلاتهم. وقد نمت هذه المجموعة من المستفيدين إلى حوالي 4,6 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان و سوريا. وقد بلغت مساهمات الولايات المتحدة للأونروا ـ  بغض النظر عن المساعدات الأميركية الثنائية للضفة الغربية وقطاع غزة – خلال الفترة 1950-2009 لتصل إلى ما يقرب من 3,5 مليار دولار.

عام 2009، ساهمت الولايات المتحدة بمبلغ 98,5 مليون دولار للأونروا. وقد ذهبت بعض هذه الأموال للاحتياجات الإنسانية الطارئة في قطاع غزة الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وحماس 2008-2009. وقد قدمت كل هذه الأموال وفق شروط اللجنة الرباعية التي تتألف من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. وتتمثل هذه الشروط بما يلي: (1) الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود؛ (2) والتخلي عن العنف؛ (3) والالتزام والتقيَد بجميع الاتفاقات التي تم توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا يعني أن على كل من حماس أو سيطرتها على قطاع غزة التغير قبل أن تخصَص الولايات المتحدة موارد كبيرة لإعادة بناء المباني والبنيَة التحتيَة في قطاع غزة. وإذا تشكلت حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم حماس، ولم تغيَر حماس موقفها تجاه إسرائيل، قد يؤدي هذا إلى وقف كامل أو جزئي للمساعدات الأمريكية.

المساعدات الأوروبية

يعتبر الدعم الأوروبي المالي والعسكري المباشر لإسرائيل جدَ محدود مقارنة بالمساعدات الأمريكية. ضمن اتفاقية الجوار والشراكة الأوروبية (ENPI) والتي أنشئت في 2007، فإن إسرائيل جديرة بالحصول على 14 مليون يورو من المساعدات المالية خلال الفترة 2007-2013.

يتمَ تقديم معظم المساعدات الأوروبية لإسرائيل على شكل فوائد تجارية. وفي إطار الشراكة الأوروبية المتوسطيَة (PanEuroMed)، تم عقد اتفاقيات ثنائية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من جهة ومعظم بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى. تنص تلك الاتفاقيات، على وجه الخصوص، على أن منتجات بلدان البحر الأبيض المتوسط المعنيَة يمكن تصديرها إلى الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية.

يتضمن اتفاق الشراكة القائم مع إسرائيل اتفاقيات التجارة الحرَة للبضائع الصناعية، واتفاقيات امتيازية للتجارة في المنتجات الزراعية، واحتمال مزيد من التحرر التجاري في الخدمات والمنتجات الزراعية. وهذا يعني إمكانية تصدير المنتجات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية أو على الأقل برسوم مخفضة في حال قابلية تطبيقها. ونظراً لاستمرار بناء المستوطنات و الحصار المفروض على قطاع غزة، فقد تم تأجيل ترقية اتفاقية الشراكة بعد التصويت على ذلك في البرلمان الأوروبي.

خلافاً لرغبات إسرائيل، لا يتم تطبيق فوائد النظام التفضيلي على المنتجات القادمة من المستوطنات اليهودية لأنها منتجة خارج الأراضي الإسرائيلية. وكرد على ضغوط حملات الناشطين الذين أفادوا أن منتجات المستوطنات تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، اعتمد الاتحاد الأوروبي تسوية تقنيَة عام 2005 تقضي بضرورة تقديم المصدَرين الإسرائيليين دليلاً على مصدر بضائعهم. وقد أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة المستوطنات والرموز البريدية التي تعتبر خارج حدود إسرائيل قبل حرب 1967. مع ذلك، ومن المشاكل الرئيسيَة هي أن النظام يعتمد على العلامة التجارية الصحيحة للشركة المصدَرة. وليس لسلطات الجمارك في الاتحاد الأوروبي السلطة للذهاب إلى إسرائيل أو فلسطين للتحقق من منشأ هذه البضاعة.

دفع ثمن بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة

تكاليف الاحتلال الإسرائيلي

يتمتع الاتحاد الأوروبي بمكانته كأسخى المانحين للفلسطينيين. بدأت مساعدات الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين عام 1971، وذلك حين أرسل بمساهمته الأولى لميزانية الأونروا العاديَة. منذ عام 1994، إذا ما جمعنا مساهمات المجموعة الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فقد قدَم الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف مليار يورو من المساعدات للفلسطينيين.

حتى الانتفاضة الثانية، كانت المساعدات الأوروبية تركز بالأكثر على المساعدات الإنمائية. دفع اندلاع الانتفاضة والانخفاض الحادَ في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمفوضية الأوروبية إلى إعادة توجيه مساعداتها نحو دعم مالي مباشر لميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية، ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية في إعداد نفسها لتحمَل مهام الدولة وإنعاش الاقتصاد ومعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة.

في يونيو/حزيران 2006، تأسست الآلية الدولية المؤقتة (TIM) لتقديم المساعدة المباشرة للشعب الفلسطيني. وقد تمَ تمويلها من قبل المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغيرها من الجهات المانحة لتوفير الخدمات الأساسية والدعم المالي للفلسطينيين الأكثر فقراً.  وقد تمَ جمع وتوزيع ما مجموعه 615 مليون يورو. وبعد مقاطعة الولايات المتحدة لحماس بعد عام 2006، استبعد الاتحاد الأوروبي حكومة حماس من الوصول إلى أموال مساعدات الآلية الدولية المؤقتة. وانتخاب حكومة سلام فياض المؤقتة، والتي استبعدت حماس، وحده الذي أقنع المفوضية الأوروبية بالسماح للفلسطينيين بالوصول إلى أموال مساعدات الآلية الدولية المؤقتة في يونيو/حزيران 2007.

استفاد ما يقرب من ربع السكان الفلسطينيين، أكثر من 155 ألف أسرة، من التعويضات الاجتماعية للآلية الدولية المؤقتة، بما في ذلك أكثر من 77 ألف من المدنيين الفلسطينيين العاملين في الخدمات العامة والمتقاعدين، و 79 ألف أسرة محتاجة. كما ساعدت الآلية الدولية المؤقتة في الضفة الغربية وقطاع غزة لتغطية التكاليف الجارية وتوفير المواد الاستهلاكية والمعدَات للمستشفيات والمدارس. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت في استمرار إمداد المرافق العامة الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه والصرف الصحَي لنحو 1,3 مليون نسمة في قطاع غزة.

في شباط/فبراير 2008، تم تطبيق آلية جديدة لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتحل محل الآلية الدولية المؤقتة. وتم إطلاق ما يسمى ” الآلية الفلسطينية الأوروبية لإدارة المساعدات الاجتماعية والاقتصادية “بيغاس” كخطة ثلاثية، يتمَ تنفيذها بالتعاون مع ‘خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية’ والتي تشمل الفترة 2008-2010. ويدير اتفاقية بيغاس المفوضية الأوروبيَة، كما أنها مفتوحة للجهات المانحة الدوليَة الأخرى التي ترغب بالمساهمة.

دعت السلطة الوطنية الفلسطينية المانحين للتبرَع بمبلغ 5,6 مليار دولار لتنفيذ الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية. وتعهدت الجهات المانحة بدفع حتى أكثر من ذلك: 7,7 مليار دولار.  تركز الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية على القطاع الخاصَ، فاتحة الاقتصاد الفلسطيني على الشركات والتجارة الأجنبية وترك السلطة الوطنية الفلسطينية لتحديد السياسة الاقتصادية في فلسطين. تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر باريس للدول المانحة في ديسمبر/كانون الأول 2007 بمبلغ لم يسبق له مثيل (3,4 مليار دولار) لدعم خطة رئيس الوزراء فياض.

من خلال آلية بيغاس، لا تزال المفوضية الأوروبيَة تدفع رواتب وتقاعد أكثر من 28 ألف عامل في الخدمات العامة في غزة، إضافة إلى التعويضات الاجتماعية لأكثر من 24,006 أسرة محتاجة في قطاع غزة. كما تدفع للوقود الصناعي لمحطة توليد الكهرباء في غزة. ومما لا شك فيه، فقد ثبت عدم كفاية التعهدات الدوليَة بالدعم لتغطية نفقات الموازنة الشهرية للسلطة الوطنية الفلسطينية. وبين الفينة والفينة، يوجه فياض نداءات الدعم في اللحظة الأخيرة للحصول على التمويل الكافي.

الأعمال العدائيَة خلال العملية الإسرائيلية واسعة النطاق في قطاع غزة، والتي بدأت أواخر عام 2008 وانتهت في يناير/كانون الثاني 2009 تسببت بأضرار ماديَة مباشرة تقدّر بنحو 1,9 مليار دولار. وفي مؤتمر شرم الشيخ للمانحين الذي عقد في 2 مارس/آذار 2009 تعهدت الجهات المانحة الدوليَة بتقديم مبلغ 5,2 مليار دولار تقريباً لدعم الخطة الفلسطينية الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة (2009-2010) كما قدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية. وتجاوز الرقم المبلغ المطلوب بـ 2,4 مليار دولار. تم تخصيص 1,6  مليار دولار من أموال المساعدات الجديدة  لقطاع غزة. وتعهدت المفوضية الأوروبية لوحدها بدفع نحو 440 مليون يورو لعام 2009. لم تكن هذه الأموال أموالاً جديدة، ولكنها جاءت من خطط الميزانية القائمة. من أصل 440 مليون يورو تم تخصيص أكثر من 50% لقطاع غزة. وللصدفة، لم يتم المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية أو المشاريع المموَلة من قبل الاتحاد الأوروبي خلال عملية حملة غزة، سواء من حماس أو الحكومة الإسرائيلية.

كما يتضح، تحملت أوروبا مسؤولية مساعدة الفلسطينيين على البقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من تزايد الاحتياجات الإنسانية للسكان الفلسطينيين، فقد منعت إسرائيل وصول مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى المحتاجين.

تحصر إسرائيل الواردات إلى قطاع غزة بعدد محدود جداً من البضائع الإنسانية وذلك على أساس يوم بيوم وحالة بحالة، مما أدى إلى ارتفاع رسوم التخزين وزيادة كبيرة في تكاليف التحويلات المالية لوكالات الإغاثة. وحتى الآن اقتصرت ردَة فعل الاتحاد الأوروبي حول القيود الإسرائيلية المفروضة والمستمرة على الكلام فقط. ولم تغير مناشدات المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي ورئاسة الاتحاد الأوروبي شيئاً من سياسة إسرائيل.

في غضون ذلك، تستفيد إسرائيل من تدفق مساعدات الاتحاد الأوروبي على الفلسطينيين. فغالباً ما تستورد وكالات الإغاثة ما تحتاجه من مواد من إسرائيل، لأن استيراد البضائع إلى فلسطين من إسرائيل هو أقل كلفة من استيرادها من البلدان المجاورة. وهذا ما يخلق أعمالاً ثابتة ومربحة للشركات الإسرائيلية. وهكذا، تصب الكثير من أموال المساعدات في نهاية المطاف في الاقتصاد الإسرائيلي.

عودة إلى الأعلى

استنتاجات

يستمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لأن إسرائيل تتلقى دعماً ماليَاً كافيا لاستدامته؛ هذه كانت إحدى الاستنتاجات التي توصل إليها المؤتمر الذي نظمه مركز المعلومات البديلة في أكتوبر/تشرين الأول 2009 في بيت لحم. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه ضغوطاً كبيرة، تتواصل الأموال الأميركية والأسلحة إلى إسرائيل وتتيح لها الحفاظ على تفوقها العسكري.

تتلقى إسرائيل مساعدات أكثر من فلسطين، من حيث المجموع كما من حيث نصيب الفرد الواحد. وفي الواقع تحتل إسرائيل المرتبة الخامسة عالميَاً كأكبر المستفيدين من المساعدات من حيث نصيب الفرد الواحد بين 1994 و 2006. أما فيما يتعلق بمجموع حجم المساعدات فنجد إسرائيل كثاني أكبر مستفيد في العالم. وعلى العكس، تحتل فلسطين المرتبة الحادية عشر عالميَاً.

عند مقارنة مستوى المساعدات الموجهة إلى فلسطين مع تلك التي لإسرائيل، فمن الواضح إن إسرائيل تتمتع بمكانة متميَزة. والأهم من ذلك، تأتي معظم المساعدات للفلسطينيين على شكل أغذية وأدوية وللتعليم والإغاثة. إلا أن إسرائيل تحصل على معظم المساعدات على شكل أسلحة. ولهذا فشلت المساعدات في تضييق فجوة القوة بين المحتل والذين تحت الاحتلال.

تقوَض المساعدات النضال السياسي للفلسطينيين. فإلى جانب كونها تخدم كفجوة رادعة تمنع وقوع كارثة إنسانية، فإن المساعدات تعزَز الاحتلال أيضاً وتعيق مسار التقدَم السياسي للتوصل إلى حلَ. كما أنها تساهم في تطبيع وضع الاحتلال وتأخير التوصَل إلى حل دائم.

يحصل الفلسطينيون على مساعدات كبيرة تتناسب والدخل الذي يحصلون عليه محلياً. ولكن هذه المساعدات تساعد قليلاً على إيقاف التدهور السريع للاقتصاد الفلسطيني. فالتبعية المتزايدة تعني أن النمو الاقتصادي في فلسطين لا يمكنه اللحاق بنمو المساعدات. والنتيجة هي أن معدل التبعية، الذي يُعرّف على أنه النسبة بين المساعدات والناتج المحلي الإجمالي، قد ارتفع من 14,42% في 1996 إلى 34,35% في عام 2006. وبهذا فإن فلسطين تحتل المرتبة الخامسة في الاعتماد على المساعدات في العالم.

هكذا أصبحت المساعدات الخارجية السمة المميَزة للاقتصاد الفلسطيني. ما يقرب من مليون فلسطيني يعيشون على الرواتب الشهرية التي تقدمها السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تدفع في الوقت المحدَد وتموَلها التبرعات الخارجية. وهناك ليس أقل من 40 ألف يعيشون مباشرة من رواتبهم التي تدفعها المنظمات غير الحكومية المموَلة من الخارج، بالإضافة إلى عدَة آلاف آخرين يعيشون على مشاريع المنظمات غير الحكومية والتبرعات. وهكذا، يعتمد معظم الفلسطينيين الذين لديهم دخل ثابت على قرارات سياسية خارجية وخارجة عن سيطرتهم.

تفضَل معظم هيئات الإغاثة تقديم الدعم التنموي بدلاً من المساعدات الإنسانية. ويقال إن التحسينات الاقتصادية ستحفز الدعم الشعبي لعمليَة السلام. ومع هذا، الفشل الاقتصادي ليس مشكلة تقنيَة وإنما سياسيَة تتطلب حلاَ سياسيَاً. القيود الإسرائيلية على التنقل والوصول تمثل السبب الرئيسي وراء انعدام النمَو والتنمية الاقتصادية الفلسطينية.

عرقلة التنمية

تكاليف الاحتلال الإسرائيلي

لذلك تجد الجهات المانحة نفسها مضطرة لإرسال المساعدات التنمويَة إلى صناديق الطوارئ للحيلولة دون حدوث كارثة إنسانية. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة المساعدات التنمويَة بشكل مأساوي من 5:1 إلى 1:7 منذ بداية الانتفاضة الثانية.

يمكن استخدام مصطلح “عرقلة التنمية” لوصف العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل وفلسطين. إن الإضعاف المنهجي والمتعمَد لاقتصاد قومي ما من قبل القوى المهيمنة، وبعد استثمارات ضخمة للمساعدات بلغ مجموعها ما يقرب من 10 مليار دولار أمريكي على مدى العقد الماضي، هو السبب في أن الفلسطينيين يعيشون اليوم في ظل ظروف أسوأ مما كانت عليه عندما بدأت عملية أوسلو عام 1993. واليوم في قطاع غزة، ما لا يقل عن 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية و 40٪ منهم عاطلين عن العمل.

تمَ تحويل الفلسطينيين وتقليصهم إلى مجرد مشكلة إنسانية. ومن خلال دعم الفلسطينيين تحت الاحتلال، يساهم مجتمع المانحين الدوليين بتمكين وشد إزر الاحتلال.  وعن طريق تقديم المساعدات، تستعيض الجهات المانحة عن مسؤولية المشاكل التي خلقها الاحتلال.

يدفع المواطنون الأمريكيون والأوروبيون كلفة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؛ ومن ثم أصبحت مساهمتهم جزءً من المشكلة. كان الغرض من المساعدات الدولية بناء المؤسسات الفلسطينية التي يمكن أن تشكل البنيَة الجنينيَة للدولة الفلسطينية المستقبلية. ولكن في الحقيقة، سرعان ما أصبحت المساعدات الخارجية وسيلة للحفاظ على بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة ودفع التكاليف الجارية للسلطة الوطنية الفلسطينية ورواتب موظفيها المدنيين. واستخدمت المساعدات الدولية للتعويض عن القيود الإسرائيلية المفروضة على حرية الوصول والتنقل.

Advertisement
Fanack Water Palestine